[size=32]الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.. أما بعد:[/size]
[size=32]إن الدعاء عبادة توقيفية، فلا يجعل ما كان مطلقاً مقيداً وبالعكس، ومع ذلك قد التزم الصوفية بأدعية معينة في أوقات معينة، على هيئات خاصة من الاجتماع وغير ذلك، وانتشر هذا في الصوفية، حتى صار كثير من المتصوفة والمتفقرة وكثير من العامة لا يعرفون إلا الأدعية المبتدعة.[/size]
[size=32]وأما الأدعية الصحيحة الثابتة فلا يستعملها إلاّ المتمسكون بالسنّة، وقليل ما هم.[/size]
[size=32]وأما المتصوفة فلكل شيخ طريقة دعاء خاص، يسمى بحزب فلان أو ورده، فأتباع ذلك الشيخ يحافظون عليه قراءة وتبركاً وتقديساً أشد من محافظتهم على القرآن الكريم، وهذا ليس مبالغة بل هو الواقع المرير.[/size]
[size=32]فقد ألزموا أنفسهم أو ألزموا أن يقرءوا لكل يوم حزباً معيناً، فإذا فات يجب أن يقضي.[/size]
[size=32]وكل أهل طريقة يرون أن حزبهم أفضل من الأحزاب الأخرى، بل جاوز بعضهم هذا إلى أن فضل حزبه المخترع على القرآن الكريم بستة آلاف مرة، فقد ادعى التيجاني الكذاب الدجال أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل صلاة الفاتح، فأخبرني أولاً بأن المرة الواحدة منها تعدل من القرآن ست مرات، ثم أخبرني ثانياً بأن المرة الواحدة منها تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ومن كل ذكر ومن كل دعاء كبير أو صغير، ومن القرآن ستة آلاف مرة؛ لأنه من الأذكار).[/size]
[size=32]كما أن التيجانيين يعتقدون أنها من كلام الله تعالى، وأنها وردت من الحضرة القدسية مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة نورانية، وأنها لم تكن من تأليف أحد من البشر، وإنما هي من كلام الله تعالى كالأحاديث القدسية.[/size]
[size=32]بل وصل الأمر إلى أن قالوا: (من لم يعتقد أنها- أي: صلاة الفاتح من القرآن لم يصب الثواب فيها).[/size]
[size=32]وأما وجه كون هذه الأحزاب والأوراد بدعة فهو كونها راتبة مقيدة بوقت خاص، فلكل يوم ورد خاص فلا يدعي في ذلك اليوم بورد اليوم الآخر.[/size]
[size=32]فأشبه شيئاً مشروعاً، فكأن الشيخ الذي وضعه صار مُشَرِّعاً لا يجوز تجاوز ما وضعه.[/size]
[size=32]فمثل هذا يسمى بدعة إضافية من حيث إن أصل الدعاء مشروع؛ ولكن التقييد ليس مشروعاً، فصار بدعة من حيث التقييد والتخصيص، فالبدعة الإضافية لها جهتان: جهة أصل المشروعية وجهة الكيفية،[/size]
[size=32]قال الإمام الشاطبي رحمه الله:[/size]
[size=32]وأما البدعة الإضافية فلها شائبتان: إحداهما لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة، والأخرى، ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية، وسميت إضافية لأنها لم تتخلص لأحد الطرفين فهي من جهة الأصل لها دليل قائم، ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها دليل، مع أنها محتاجة إلى الدليل أيضاً في الكيفيات.[/size]
[size=32]فمن هنا لا يقال: لا مانع من الأدعية المبتدعة ما لم تشتمل على المحظور من الاعتداء وغيره، لأننا نقول: إن الدوام على الأدعية وملازمتها مدة طويلة يجعلها سنة راتبة، ويجعلها في مصاف الأدعية المشروعة.[/size]
[size=32]قال شيخ الإسلام محمد بن سليمان التميمي رحمه الله: (الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على الاتباع، وليس لأحد أن يسن منها غير المسنون ويجعله عادة راتبة يواظب الناس عليها، بل هذا ابتداع دين لم يأذن به الله، بخلاف ما يدعو به المرء أحياناً من غير أن يجعله سنة).[/size]
[size=32]ثم إن هذه الأحزاب لو كانت خالية مما يقارنها من أنواع البدع لا يشك مسلم أن الأفضل والأحسن أن يلتزم الأكمل والأفضل، وهي الأدعية النبوية (فإنها أفضل وأكمل باتفاق المسلمين من الأدعية التي ليست كذلك وإن قالها بعض الشيوخ- فكيف يكون في عين الأدعية ما هو خطأ أو إثم أو غير ذلك، ومن أشد الناس عيباً من يتخذ حزباً ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان حزباً لبعض المشايخ، وبدع الأحزاب النبوية التي كان يقولها سيد بني آدم وإمام الخلق، وحجة الله على عباده)[/size]
[size=32]فالمتخذ حزباً مبتدعاً قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.[/size]
[size=32]والأدعية والأوراد التي عند بعض المتصوفة قد تضم إلى كونها مبتدعة اشتمالها على الشرك والاعتداء في الدعاء والتوسل البدعي، كما يقارنها أنواع أخر من البدع والمفاسد.[/size]
[size=32]1- فمن اشتمالها على الشرك:[/size]
[size=32]أنهم ذكروا أنه ينبغي للمريد أثناء الذكر استحضار صورة الشيخ في القلب، والتصور بأن عموداً من النور يخرج من قلبه، ويدخل قلب المريد ويسمون هذا استمداداً، أي: الشيخ يهدي القلب ويمده بالهداية، وهذا كفر صريح.[/size]
[size=32]ومن العجب أنه وصل الأمر ببعضهم إلى استحضار صورة الشيخ أثناء الصلاة بحجة منع الوسواس.[/size]
[size=32]وهذا الاستحضار يسمى عندهم بالمراقبة، استبدلوا مراقبة الله تعالى الذي هو الإحسان الوارد في حديث جبريل عليه السلام بمراقبة الشيخ واستحضاره، فإنا لله وإنا إليه راجعون.[/size]
[size=32]ومن أمثلة أحزاب وأوراد المتصوفة التي فيها الشرك الصريح مع الاعتداء، ما جاء في وظيفة ابن مشيش وهي:[/size]
[size=32](اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وألقني في بحار الوحدة)[/size]
[size=32]فتوحيد الرسل أوحال من الطين، فيدعو الله أن ينشله منها، كما أنه يدعو بإغراقه في بحار الوحدة فيتحد مع الله -تعالى الله عما يقول الظالمون- وهذه الوظيفة يلازمها المبتدعة ليل نهار، قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل يخبر عن ذكرياته في الصبا:[/size]
[size=32](وما زال الصبي يذكر أن صلوات ابن بشيش، ومنظومة الدردير كانتا أحب التراتيل إلى أولئك الشيوخ- أي: شيوخ قريته- وما زال يذكر أن أصوات الشيوخ كانت تشرق بالدموع وتئن فيها الآهات حين كانوا ينطقون من الأولى: (اللهم انشلني من أوحال التوحيد!!) ومن الثانية: (وجد لي بجمع الجمع منك تفضلاً) يا للصبي الغرير التعس المسكين... فما كان يدري أنه بهذه الصلوات المجوسية يطلب أن يكون هو الله هوية وماهية وذاتاً وصفة، ما كان يدري ما التوحيد الذي يضرع إلى الله أن ينشله من أوحاله، ولا ما جمع الجمع الذي يبتهل إلى الله أن يمن به عليه؟).[/size]
[size=32]فالصلاة البشيشية لها قدر عظيم عند الصوفية، حيث يعتنون بها أشد الاعتناء، ومن مظاهر اعتنائهم أنهم يأخذون إجازتها عن شيوخهم، ويهتمون بتلك الإجازة، حتى وصل الأمر أن ادعوا أن من طرقها الإجازية ما كان من طريق الخضر عليه السلام عن عبد السلام بن مشيش صاحبها، فقد جعلوا الخضر الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يصبر موسى ليقص الله علينا من أخباره، جعلوه يأخذ الإجازة عن ابن بشيش، فإنا لله وإنا إليه راجعون.[/size]
[size=32]ب- ومن اشتمالها على الاعتداء في الدعاء[/size]
[size=32]ما يوجد في تلك الأدعية من سوء مناجاة الله تعالى وخطابه، حيث يطلبون من الله تعالى ما لا يليق بهم، كمنازل الأنبياء وتعطيل الأمر والنهي نحو الذي يوجد في حزب البحر للشاذلي من قوله: (اللهم اعصمني في الحركات والسكنات) فهذا طلب للعصمة وهي من منازل الأنبياء، قال شيخ الإسلام: (ويوجد في كلامه –أي: الشاذلي- وكلام غيره أقوال، وأدعية، وأحزاب، تستلزم تعطيل الأمر والنهي، مثل أن يدعو أن يعطيه الله إذا عصاه أعظم مما يعطيه إذا أطاعه، ونحو هذا مما يوجب أنه يجوز عنده أن يجعل الذين اجترحوا السيئات كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، بل أفضل منهم، ويدعون بأدعية فيها اعتداء كما يوجد في حزب الشاذلي).[/size]